الأحد، 21 يوليو 2013

إرث أتاتورك يحول دون أسلمة تركيا








مفهوم الشريعة يلقى انتقاداً في تركيا منذ فترة طويلة، وكان لهذا الانتقاد أثره على نزع “الشرعية عن فكرة الشريعة”، حتى بين مسلمي تركيا الأكثر التزاماً بالدين وهو ما يميزها عن جيرانها في منطقة الشرق الأوسط.
أصبحت تركيا ديمقراطية متعددة الأحزاب بكل ما تحمله الكلمة من معنى في عام 1950، ومنذ ذلك الحين تجري انتخابات حرة ونزيهة. وعندما لا تحسب السنوات الأربع في ظل قيادة الجيش عقب الانقلابات، فإن هذا يعني أن «حزب العدالة والتنمية» حكم تركيا فعلياً لما يقرب من ربع تاريخ الدولة الديمقراطي، وبذلك أصبح أطول حزب حاكم في تاريخ الجمهورية التركية.
ومنذ مجيئه إلى السلطة في عام 2002، لم يتمكن «حزب العدالة والتنمية» من إدارة حكومة هي الأطول في تاريخ البلاد، بل عزز من شعبيته على طول الطريق.
فقد فاز بثلاث انتخابات متعاقبة، حصل فيها كل مرة على دعم أكبر، وفي الانتخابات الأخيرة التي أجريت في 2011 حصل الحزب على ما يقرب من 50 بالمئة من الأصوات.
وقد منحت نتائج هذه الانتخابات هيمنة كاملة تقريباً للحزب على الميدان السياسي التركي من خلال التعيينات في المحاكم العليا والجيش والنظام البيروقراطي، إلى جانب النفوذ المتزايد على الإعلام ومنظمات المجتمع المدني ومجتمع الأعمال.
ونظراً لأن أصول «حزب العدالة والتنمية» ضاربة بجذورها في المعارضة الإسلامية، فإن السؤال الذي غالباً ما يظهر على السطح يتعلق بما إذا كان الحزب سيستخدم صلاحياته المهيمنة لأسلمة الدولة، وتحويلها إلى دولة تطبق الشريعة الإسلامية.
ويشير العديد من خصوم «حزب العدالة والتنمية» العلمانيين إلى السياسات الثقافية للحزب، من ازدراء شرب المشروبات الكحولية إلى الترويج للتعليم الديني في المدارس، إلى الإشارة بأن تركيا تسير في الطريق إلى الأسلمة.
وقد عمدت حكومة طيب رجب أردوغان مؤخراً إلى إقرار فصول دينية اختيارية لجميع الطلاب، بدءًا من الصف الخامس كما أنها ضيقت الخناق على الحفلات التي تقام في حرم الكليات حيث يتم تقديم المشروبات الكحولية.
وهل ستصبح تركيا دولة تطبق الشريعة الإسلامية؟ يرجح أن تكون الإجابة على هذا السؤال بـ”لا”، فسمات تركيا التاريخية والسياسية الفريدة تجعلها أرضاً غير خصبة لتطبيق الشريعة أو لظهور الإسلام الراديكالي.
ويلقى مفهوم الشريعة انتقاداً في تركيا منذ فترة طويلة، وكان لهذا الانتقاد أثره على نزع الشرعية عن فكرة الشريعة، حتى بين مسلمي تركيا الأكثر التزاماً بالدين.
ويتناول أستاذ العلوم السياسية والخبير في شؤون الإسلام التركي هاكان يافوز هذه المسألة بمزيد من التفصيل في مقال بعنوان “الإسلام الأخلاقي، وليس الشريعة: مناظرات إسلامية في تركيا”.
وبفضل حركة “التغريب” التي أثمرت عن قيام الشباب الأتراك وأتاتورك (الذي خلال فترة حكمه أصبحت “الشريعة” كلمة غير مقبولة في تركيا)، أصبحت الإشارات إلى هذا النوع من الحكومات الإسلامية مثقلة بإيحاءات حول “الرجعية والتخلف والتعصب”.
واليوم، فإن المحكمة الدستورية التركية “تربط الشريعة بأسلوب حياة ديني ورجعي”.
إن ذلك يميز تركيا عن جيرانها في الشرق الأوسط مثل مصر، حيث تنازلت جميع الأطراف، بما في ذلك العلمانيين، اسمياً أمام الشريعة كمبدأ دستوري.
 ويتعذر فهم تبني هذا الوضع في تركيا. وعلى النقيض من ذلك، ووفقاً ليافوز “تحمل الشريعة في تركيا معنى تحقيري إلى حد كبير”.
وفي السياق التركي، لا تدور الأسلمة حول فكرة الشريعة، وإنما حول الإسلام الأخلاقي.
فالإسلام هو من دلالات الشخصية. ومن الناحية الجوهرية، بما أن استنساخ النموذج الغربي في تركيا قد تأصل أثناء حكم الإمبراطورية العثمانية، فإن الأتراك ببساطة لا يعمدون إلى “ممارسة” الجهاد أو التنافس على الراديكالية.
ومن ثم لا عجب أنه وفقاً لاستطلاع رأي أجراه “مشروع بيو لأبحاث الاتجاهات العالمية”، ففي الوقت الذي يدعم 82بالمئة من الباكستانيين والمصريين تطبيق العقوبات الصارمة التي فرضتها تأويلات الشريعة الإسلامية، فإن 16بالمئة فقط من الأتراك ينظرون إلى هذه التدابير بشكل موات.
وما هو أكثر من ذلك، أن هذه النسبة لم تزد منذ مجيء «حزب العدالة والتنمية» إلى السلطة في عام 2002.
والعائق الثاني أمام تطبيق الشريعة هو الطابع الغربي القائم والمؤسسي، الذي يمثل سمة تنفرد بها تركيا بين جيرانها المسلمين في الشرق الأوسط.
وتتسم تركيا في مجملها بطابع غربي لدرجة أن «حزب العدالة والتنمية» نفسه والنخبة الإسلامية الصاعدة لا يستطيعون الهروب من براثن النمط الغربي.
وبدءًا من دور المرأة في المجتمع وحتى عضوية البلاد في حلف شمال الأطلسي، فإن إرث تركيا الغربي لا يحتاج إلى تبيان.
وعلى سبيل المثال، وبغض النظر عن درجة أسلمة تركيا، سوف يستحيل إقصاء المرأة عن العمل العام.
إن مشاركة المرأة في الحياة العامة، المتأصلة بقوة في تركيا العلمانية القديمة، هي أيضاً علامة لتركيا الحديثة. فلننظر إلى سيدتها الأولى، خير النساء غول، زوجة الرئيس التركي عبد الله غول وعضوة سابقة في «حزب العدالة والتنمية»: إنها سيدة ذات حضور عام واسع، ولها مبادراتها السياسية الخاصة.
وربما يكون الأهم من ذلك أن اعتناق تركيا للاقتصاديات الليبرالية هو الذي دفع «حزب العدالة والتنمية» إلى القمة في المقام الأول. ويستند قدر كبير من النفوذ التركي في العالم الإسلامي إلى نجاحها في العالم الغربي اقتصادياً وسياسياً، إلى جانب الوجه المختلف نوعاً ما للسكان المسلمين الذي تنقله “قوة تركيا الناعمة”.
 ويجري نقل هذه السمات من خلال المسلسلات التركية، التي تجسد تركيا على أنها مجتمع حديث يتم فيه تمكين المرأة.
إن الطابع الغربي الهيكلي لتركيا – وصلاتها المؤسسية بالغرب واعتناقها للطرق الغربية – سوف يميزها أيضاً عن المجتمعات الأخرى ذات الغالبية المسلمة في المنطقة. ويصعب التخيل أن يكون تواجد “الناتو” محل ترحيب كبير في الدول الأخرى ذات الأغلبية المسلمة، ولكن في تركيا فحتى أكثر الإسلاميين المتشددين لديهم مبرراتهم لدعم تحالف “الناتو”، لأنه حمى تركيا ضد الشيوعية “الملحدة”.
 إن إرث تركيا من العلمانية الدستورية، وتلك سمة لا تشاركها فيها سوى تونس من بين الدول العربية وإرث كمال أتاتورك، سوف يحول دون أسلمتها. وتصطبغ تركيا بصبغة علمانية قوية لدرجة أن قادتها الإسلاميين يفكرون بطريقة علمانية بغض النظر عن مقدار تأييدهم للدين.
* معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى

0 التعليقات:

إضغط هنا لإضافة تعليق

إرسال تعليق

Blogger Widgets